الجمعة، 19 يونيو 2009

هبلسة الكبير


اولاد الرصيف او الشماسة – اناس طيبون ظلمهم المجتمع اكثر من مرة – تارة باهمالهم و عدم الاعتناء بتعليمهم و تربيتهم و رعايتهم و تارة اخرى بالهروب منهم و نعتهم باسوء الالفاظ و تجريمهم لمجرد انهم يسكنون الكباري و الطرقات - و التجريم هذا لا اعني به انقضاض الحكومة السودانية على الاطفال من ماسحي الاحذية بزعم انتمائهم لحركة العدل و المساواة ابان عملية الذراع الطويل – لكن اعني تجريم المجتمع للطفل المشرد عندما انعدم حدوث العكس.

حياة الشماسة عالم من الصدق و الوفاء و التعاضد (فيما بينهم)- و رغم حرمانهم من التعليم الا انهم يتميزون بذكاء مدهش – و المفارقة انهم ينظرون الي الاخرين من المجتمع نظرة جشع و انانية و قد يصل حد الاحتقار.
للاطفال المشردين او الشماسة لغتهم الخاصة بهم – فهي بلا شك لغة جميلة - و ان لم تكن كذلك لما تمكنت من غزو الاندية و البيوت والجامعات .

اكثر ما يعجبني في لغة الشماسة – وصفهم لمن لا يجيد امرا ما – و هنا تتراوح الالفاظ تصاعديا من( فارة) الي (دقسة) عندما يرتكب الخطأ من قبل مشرد مبتدئ. لكن عندما يصل الامر الي احد الكبار او كبيرهم يسمى (مهبلسا) و الهبلسة اعلى درجات عدم الاجادة من قبل ارفع الشخصيات في مجتمعات الارصفة.

ان تحول مسار حرب اهلية مطلبية الي حرب دينية و تجيش لها الشباب ليحرقوا القرى و الغابات و المدن في الجنوب و جبال النوبة و انقسنا امر مفجع . و ان تأمر قواتك بقتل المواطنين العزل لمجرد انم تظاهروا لحقوقهم المشروعة في بورسودان او في كيجبار امر يزيدنا الما. و ان تأمر قواتك النظامية و تجيش البدو من الاجانب لقتل الاطفال و النساء و حرق القرى و اماكن العبادة في دارفور فهو شئ لا يطاق.

لكن ان تقوم بترقية كل من يفشل في عمله و تحمى كل من يختلس رقما كبيرا من المال العام و تعين من يكون مطلوبا من قبل القضاء الدولي في منصب الحاكم باقليم يشهد توترا متصاعدا بغية اشعال فتيل الحرب. او ان تقوم بتزويد مليشيات قبلية بالسلاح و العتاد لقتل منتسبي شركاء السلام و نهب قوافل الامم المتحدة التي تطعم الجياع من "ضحاياك" و قتل المواطنين الابرياء لاعتبارات قبلية بغرض خلق حرب اهلية اخرى في الجنوب في الوقت الذي فيه انت الاخر مطلوبا و مطاردا من قبل اعلى هيئة عدلية في العالم – نعم عندما تقوم بكل تلك الاشياء يجب ان تكون فردا مهبلسا بإمتياز – و على الاخرين البحث عن البديل - رحمة بالوطن و انسانه.

د. حامد برقو
drbrgo2002@yahoo.com


الاثنين، 8 يونيو 2009

الرفيق لام اكول ... و الضابط النمساوي


قبل حوالي ثلاث سنوات عندما كان الدكتور لام اكول وزيرا للخارجية كتبت مقالا مشابها للذي نحن بصدده تحت عنوان دارجي ( لام اكول دا مالو؟) عندما كان الوزير" الملتزم بادبيات الانقاذ" في بدايات تغريده خارج السرب – اعني رؤية السودان الجديد التي تتبناها الحركة الشعبية لتحرير السودان.
يبدو لي ان استاذ الهندسة لا يقرأ التاريخ – و ان كان يقرأ فمن الواضح لم يقف عند قصة الضابط النمساوي الذي حمل اسرار وطنه و امته الي الجيش الغازي بقيادة نابليون بونابورت طمعا في رضا الغزاة المحتلين – عندما اغتصبت ارضه وجاء وقت المكافأة مد الضابط الشاب يده لمصافحة الامبراطور بونابورت – لكن نابليون الذي كان يحارب لاجل امجاد امته الفرنسية امتنع عن مصافحة الخائن –قائلا (( انني لا اصافح خونة اوطانهم))

المتتبع لتاريخ ا لام اكول يجد فيه تجسيدا حرفيا لشخصية ذلك الضابط النمساوي رغم انضمامه المتاخر للجيش الشعبي الا انه سرعان ما انفصل مشكلا مجموعة الناصر من قلة من خيرة ابناء الحركة الشعبية امثال الرفيق الراحل اروك طونق بعدما استغفلهم لام اكول- ثم انتقل الي تكوين الفصيل المتحد قبل ان يصبح وزيرا انقاذيا و ينتهي به المطاف الي الحزب الانقاذي المسمى بالعدالة .

عندما توالت ضربات الجيش الشعبي على جيش النظام الفصل العنصري بمدن و احراش الجنوب – و بدت المدن في الجنوب تتحرر مدينة بعد اخرى ادرك الميكافيلي لام اكول ان ليس لنظام الفصل العنصري في الخرطوم من خيار سواء التوقيع على اي نوع من السلام بصرف النظر عن ثمنه – نعم عندما ادرك ذلك قرر العودة الي الغابة.

و لأن الثائر المحرر الرفيق جون قرنق يملك رؤية المستقبل – مستقبل دولة المواطنة و الاخاء و سعة قلب الآباء المحررين سمح له بالرجوع الي احضان الثورة – لان لا مكان للمعذبين في السودان غير حضن الثورة – رغم المعرفة اليقينية للاب المحرر بنوايا لام اكول.

من المؤكد ان اكبر خطأ ترتكبه الحركة الشعبية بعد رحيل الرفيق المحرر كان تعيين لام اكول في منصب اتحادي – كان احرى ان يعين في اي وظيفة اخرى بحكومة الجنوب حتى يمكن مراقبته بشكل لصيق- لكنه عين رئيسا للدبلوماسية السودانية – ليمارس هوايته المفضلة في نخر الجسم الثورى و ثوابت الثورة من الداخل ارضاءا للمستعمر الوطني في الخرطوم.

ظن لام اكول في تسامح و حكمة الرفيق سلفا كير تساهلا في التعامل معه حتى جاء القرار المنتظر بتجريده من منصبه قبل ان يسقط من المجلس الثوري .

بالامس الاول و كما توقع الرفقاء على امتداد الوطن و خارجه اعلن الدكتور لام اكول جسما يتيما اطلق عليه اسم التغيير الديمقراطي بعدما اقتبس اسم الحركة الشعبية في مسرحية انقاذية سيئة الاخراج.

كما في المثل الشعبي فان حليمة لابد لها ان تعود الي جذمتها القديمة – لكن الذي لا يعلمه اهل الانقاذ و ضابطهم النمساوي لام اكول انهم ازالوا من الحركة الشعبية الجزء السرطاني الذي كنا نخاف ان ينتقل الي باقي اجزاء الجسم الثوري سواء كان في اوساط اهل الجنوب او الشمال من اتباع فكر السودان الجديد.
و كما قال الرفيق المحرر " لن يعود السودان الي ما كان عليه" لكن ليتهم يتفهمون.

د. حامد برقو
drbrgo2002@yahoo.com

الأحد، 7 يونيو 2009

الجنوبيين عايزين شنو ؟؟

نشر بموقع سودانيز اون لاين في اكتوبر 2007

ليس من امر اكثر إلاما للابناء من إنفصال الوالدين . لكن اذا كان ذلك الانفصال بمقدوره ان يضع حدا لمعاناة احدهما( اي احد الوالدين لصعوبة العيش معا) فلابد للابناء ان يتفهموا الامر رغم مرارته . كثير من اصحاب الضمير الوطني الحقيقي( و ليس المزيف – من اصحاب العقلية الاستعمارية الذين يرفضون انفصال اي جزء من السودان بدوافع استغلالية و استعمارية استعلائية بحتة) سوف يمر بشعور مماثل لمن انفصل ابويه عند مجرد التفكير في انفصال الوطن – ولا يمكنه تصور ان يذهب الي روبيك او تركاكا بجواز سفر و فيزة او ان يأتي احد اصحابه و زملاء عمله او دراسته الي جبل مرة او كوستي بإجراءات اجنبي.لكن لابد من تقبل و مواجهة الحقيقة.
شعب جنوب السودان ابتلي بمحنة تدعى الدولة السودانية ( مملكة غير معلنة عانى فيها من الموت و الدمار و كل ما يخطر على بال الانسان . لو حدث كل هذا من القلة الحاكمة اليوم فقط لقلنا صبرا لكن علمتنا كارثة دارفور – و من قبل جحيم الجنوب و جبال النوبة وانقسنا ثم احداث القاهرة ان لا فرق في المواقف بين المؤتمر الوطني او انصار السنة او المواطن العادي من ابناء الوسط و الشمال السوداني تجاه شعب جنوب السودان و شعوب الهامش السوداني.
قد يكون هنالك خلاف داخلي في من يحكم و باي طريقة الي حد يصل الي تكوين معارضة مسلحة مثل التجمع الوطني الديمقراطي(و ايضا يستخدم ابناء الهامش للقتال نيابة عنهم) لكن تتطابق المواقف تجاه الهامش بل بعض المعارضة اكثر تشددا من المؤتمر الوطني نفسه ( و الاستثناء هنا القلة المستنيرة من ابناء تلك المناطق) ..

الحوار الذي اجرته صحيفة الاحداث مع سكرتير الحزب الشيوعي الاستاذ احمد ابراهيم نقد يوضح جليا العقلية والطريقة التي يفكر بهما ابناء الوسط و الشمال , فقد كان انقاذيا اكثر من اهل الانقاذ بل ان بعض النقاط لو سئل عنها العنصري الطيب مصطفي لقال ما هو ارحم – إنها عقلية الاستعلاء.

من المؤكد ان لا تصعيدا نتوقعه في الخلاف الذي بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية – حتما سينتهي بتنازلات كبيرة من قبل (المجموعة الحاكمة) و الضمانة الوحيدة في الامر بعد الله تعالى –السلاح الفتاك الذي بيد الحركة الشعبية – اي ان الخوف من الموت الذي اشبعوه لاهل الجنوب و الغرب وحده الذي يجعلهم يتنازلون- و لكن هذا سوف لن يمنعهم عن تحريض الشارع الشمالي الذي لا يملك قوت يومه و ذلك بنشر المنشورات ) .
الشارع الشمالي لا يعلم و لكن هم يعلمون مقدار الدمار الذي سيلحق بهم اذا ما فكروا في الحرب قبل خوضها .
لا اعتقد ان فردا واحدا من ابناء شعب جنوب السودان سيصوت لصالح ما يسمى بالوحدة( إستغفالا ) . آن اوان شعب جنوب السودان ان يعيش في رفاهية و كرامة بدولته المستقلة فيما تبقى من عمر هذا الكون و على الاحرار في السودان و غير السودان ان يعملوا على تحقيق حلم الشعب الجنوبي وعلى المجتمع الدولي ان يعد نفسه لاستقبال دولة حرة يتساوى فيها المواطنون .. و ان يعمل على الاعتراف بها فور اعلانها مباشرة بل إرسال وحدات قتالية لحماية إردة الشعب الحر هناك – و هذا من صميم الاخلاق .

قد يظن بعض الخيريين ان انفصال الجنوب سيكون خصما على باقي السودان وخاصة الهامش لكن لم يكن حق الناس خصما على الاخرين في يوم من الايام ...


د.حامد برقو عبدالرحمن

drbrgo2002@yahoo.com