لست متأكدا ان كان من سؤ حظنا او حسنه نحن العامة في ان نتساوى مع النخبة في الجهل بقادمات الايام و ما تحمله طياتها من امور و اهوال. لكنني لا اعني بكلمة النخبة هؤلاء النفر من المشعوذين الذين يدفع بهم النظام الي وسائل الاعلام المسموعة منها و المرئية ليقوموا بقراءة الاحوال في ساحتنا الوطنية اعتمادا على ما تراكم لديهم من ارث الجدات في النظر الي المكون الاثني للسودانيين .
و النظام المعني هنا ليس نظام الانقاذ وحده انما منظومة الفصل العنصري بشقيه الحاكم والمرتدي لثوب المعارضة استغفالا للهامش و اهله.
رغم اختلاف المعطيات الا اننا نعايش ما عايشه العراق و العراقيين من الترقب في اواخر مارس 2003 و الفرق الوحيد بيننا كان هنالك صحافا واحدا بالعراق يزين الامور و يشوه الحقائق للرئيس الراحل صدام حسين و للعالم كله و له كان ينطرب و يرقص الشارع العربي المغيب عن عصره و ضميره .
النسخة العراقية تتكرر في اقل من عقد من الزمان و هذه المرة هنا في السودان - لكننا نتفوق على العراقيين - و تفوقنا هذا ليس في امتلاكنا لفرق مثل فرقة بابل و التي كان في تشكيلتها القتالية اكثر من ست الف مدرعة انما في امتلاكنا لاكثر من الف محمد سعيد الصحاف -نعم لاكثر من الف كذاب و متملق حول السيد رئيس الجمهورية - يوعدونه بالصمود و الموت دونه و هم لن يفعلون.
لا ادري قراءة مساعدي و مستشاري الرئيس السوداني لمقررات القمة العربية الاقتصادية و التي انعقدت بالكويت مؤخرا . لكن من الواضح ان المسألة السودانية لم تعد امرا يشغل بال اخواننا العرب.و الامر الاهم في تلك التوصيات هو مطالبة الدول العربية بمحاكمة القادة الاسرائيليين امام المحكمة الدولية. في ظني المتواضع ان مطالبة من تلك شاكلة تعتبر موافقة علنية و ليست ضمنية على محاكمة الرئيس السوداني امام تلك المحكمة - و المثير للسخرية ان البيان المعني هو بيان توافقي - هذا يعني موافقة الوفد السوداني و الذي كان يقوده السيد رئيس الجمهورية على محاكمة الرئيس الاسرائيلي و رئيس وزرائه امام محكمة لم توقع عليها الدولة العبرية - و عدم مصادقة الدولة على ميثاق المحكمة هي الحجة الانقاذية في رفض التعامل مع المحكمة الدولية بلاهاي.
ليس من الافضل فحسب لكن من اللياقة بمكان ان يكف المسؤولين السودانيين عن التهديد بحدوث او احداث فوضى عارمة في حال صدور مذكرة الاعتقال بحق رئيس الجمهورية. ربما السيد رئيس الجمهورية و افراد عائلته الكريمة الي جانب قلة من المواطنيين المغيبين وحدهم الذين يصدقون تلك الفرضية الغريبة و المضحكة.بصرف النظر عن ما اذا كانت المذكرة بصدد الصدور او عدمه الا ان المحكمة الدولية قد اعدت السودانيين من الناحية النفسية اعدادا جيدا لتقبل الامر في حال صدورها اي المذكرة. لذا لا نتوقع ما (يبشر) به الشامتون و الحالمون على السواء..
في حال صدور المذكرة هنالك طرفان - الطرف الانقاذي من الحكومة السودانية و طرف المحكمة الدولية - يساندهما المؤتمر الوطني و مجلس الامن على التوالي. و هنا لا نرى وجودا للمواطن السوداني سواء كان في نيالا او جوبا او الخرطوم اذا لما التبشير بالفوضى و الدماء ؟
رغم تعاطفنا اللا محدود مع الفلسطينيين من المدنيين العزل في غزة -وهو موقف انساني و عقائدي لكن عندما ننظر الي حماسة الانقاذيين لنصرة اهل غزة في الوقت الذي فيه يفترش اهل الاموال التي يتبرع بها الانقاذيون الارض في معسكرات النزوح و المعاناة في السودان ندرك اننا نعاني من داء نفسي عضال.
قد توقفت الحرب على غزة " و لله وحده الحمد" و هنالك هدنة تطبخ في القاهرة - و اموالا عربية قد تم التبرع بها لاعمار ما دمرته الحرب - و السفير جورج ميتشل بثقله و ارثه في انجاح المفاوضات - الان في المنطقة. اذا العالم على موعد مع قضية اخرى و ملحة - قضية دارفور مع السيدة سوزان رايس مناصرة الضعفاء و مندوبة الولايات المتحدة لدي الامم المتحدة .
المعارك بين حركة العدل و المساواة و الجيش الحكومي في اعنف صورها. و الجيش الشعبي لتحرير السودان في كامل استعداده للتعامل بحزم مع تهديدات بعض قيادات المؤتمر الوطني بتجميد اتفاقية السلام في حال صدور المذكرة. رغم ان تلك التهديدات لا تعدو عن كونها مشاكسة (قبيحة) و غير محسوبة العواقب.الصراع القبلي و المناطقي بين المجموعات الحاكمة في الخرطوم يزداد اشتعالا. الترابي يقبع في المعتقل لعادته في سبق انهيار الحكومات....... ببساطة اننا في انتظار المجهول