الجمعة، 6 فبراير 2009

تشي جيفارا في دارفور

*** نشر بسودانيز اولاين في 17.6.2006
***
من الكلمات التي تجد الهوى عندي في عاميتنا السودانية الجميلة مفردة (الحشري) وهي أن تتدخل في ما لا يعنيك فيقال فلان الحشري .
فمن امثلة التحشر محاولة السودان للتوسط في الشأن السوري اللبناني – من المضحك جدا أن نرى وزير خارجيتنا السابق و مستشار الرئاسة الحالي جالسا مع الرئيس اللبناني أو السوري بغية التوسط – الذي لا يعرفه مستشار رئاستنا أن المشكل السوري اللبناني هو شأن دولي خيوطه تمتد من واشنطن إلي تل أبيب طهران مارة بباريس ولندن فما دمشق و بيروت الا نقاط تقاطع تلك الخيوط الأمر الذي يجعل من مجرد التفكير في التوسط من اناس في قامتنا وثقلنا الدولي الخفيف جدا( أن لم يكن معدوما في الأصل) ضربا من التحشر غير المباح هذه المرة.
ساقني لهذا ذكري لاسم ارنستو جيفارا – شخص متواضع مثلي الذي ليس من ضمن اصدقائه يساريا واحدا ناهيك عن نفسه, من الصعب عليه أن يطرق البيت اليساري دون أن يصطحب معه لفظ الحشري – تراني متحشرا في الشأن اليساري دون حرج لان تشي جيفارا ليس ملكا لليساريين وحدهم إنما ملك البشرية جمعاء .جيفارا الأسطورة والملهم الذي قال ** إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة في هذه الدنيا توجهه إلي مظلوم ، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني**). من قال مثل تلك الكلمات يجب أن يمنح جواز سفر كوني لان وطنه يمتدد على امتداد الظلم في العالم و ما اكثر الظلم و المظلومين في العالم و في دارفور خاصة.
الفطرة السليمة لا تتقيد بدين معين و لا تنتمي إلي عرق ما انما تتخير تلك النفوس التي خلقت لذاك المهام خصيصا.
جيفارا الذي يعرفه القارئ( أكثر مني) ولد من ابوين ميسورين ببوينس ايرنس العاصمة الأرجنتينية عام 1928 ليتخرج في كلية الطب عام 1953 لكن جذوة الثورة لم تتركه ليعمل بالمستشفيات والورديات فتوجه إلي جواتيمالا مناصرا رئيسها الشاب اليساري , وهناك يلتقي بهيلدا المناضلة اليسارية من بيرو و التي تزوجها عام 1955 والتي لها يرجع الفضل في يسارية جيفارا في شكلها المنهجي.لكن سلطة صديقه الشاب لم تتمالك أمام ضربات اعدائه المدعومين من الخارج ، فتوجه تشي إلي المكسيك معقل الثوار حيث التقى فيدل كاسترو، والذي معه دخل هافانا سنة 1959 بعد هزيمة الدكتاتور باتيستا. في هافانا وبحكومة الثورة بكوبا شغل عدة مناصب منها سفيرا , مديرا للتخطيط ثم وزيرا للصناعة وفيها تزوج بزوجته الثانية اليدا – لكن روحه الثورية لا يمكن لها أن تستقر والعالم حينه يملئه الاستعمار و الاستعباد والظلم لذا تخلى عن مهامه في عام 1965 ليتوجه إلي إفريقيا إلي زائير حيث لوران كابيلا ثم الجزائر مناصرا الحركات التحررية.في عام 1967 ارادت إرادة السماء أن تقول كفى يا فتى ...!! آن الأوان أن ترتحل حتى تكون شعلة للثوار القادمين و للشباب القادم لذا وفي غابات بوليفيا اسر الجريح ارنستو بعد أن نفد ذخيرته و مات رفاقه ليستقبل رصاصة غدر بجانبه الأيسر في 8اكتوبر عام 1967 بقرية لاهيجراس البوليفية( قائلا لقاتله المتردد والذي يسمع اصواتا تنادي لا...لا.. لا تقتل جيفارا...!! قائلا له(** لا تخف انك ببساطة ستقتل مجرد رجل**). ثم أخفيت رفاته 30سنة ظنا من القتلة لإخفاء الحقيقة والحب لكن لم تزده تلك الخطوة إلا احتراما وإعجابا من اليساريين وغير اليساريين في العالم لتنقل في عام 1998و تدفن بكوبا و قبلها في قلوب الثوار أيا كان عرقهم أو عقيدتهم.

ليست هناك تعليقات: